15‏/02‏/2011

وصية

موسيقى مسائية هادئة.. فاحت رائحتها في الغرفة المليئة بالصور الوطنية.. هناك بين أعقاب السجائر الوطنية المتناثرة على صور الأبطال الوطنيين جلس.. نظر بهدوء إلى أحد الصور.. نظر وفكر بهؤلاء الأشخاص المتجمعين حول القائد الوطني.. من هم؟ أين هم الان؟
فجأة رن الهاتف.. رفع السماعة.. نعم؟ .. حسنا.. لا بأس.. كلا أنا بخير.. ثم أغلق السماعة..
نظر حوله.. سحب علبة سجائر من تحت أحد الجرائد المرمية على الأرض.. ثم  أشعلها.. شق ورقة من أحد الدفاتر.. ثم كتب..

""  وصيتي:
أعلن اليوم وفي تمام الساعة السابعة والأربعين دقيقة من مساء يوم الأربعاء الموافق 26 كانون الثاني من عام 2011 أني وفي كامل قواي العقلية أرغب بترك الوصية التالية في حال موتي قريبا:
أولا وأخرا: الرجاء ممن يجد هذه الكلمات أن يقرأها حتى النهاية. فقط لا غير.

أما بعد, فلقد خطر ببالي من بعد ظهر هذا اليوم أن أكتب هذه الوصية.. ذلك أن شعورا انتابني بأن نهايتي لم تعد تستطيع انتظاري مطولا.. وأني من هذا المنطلق أرغب بترك بضع كلمات.. كلمات فقط..

كلمة أولى: لقد قضيت حياتي محاولا تغيير شيء.. أي شيء.. ثم أدركت أنني لن أتمكن من ذلك.. ولكن بعض بقايا الأمل دفعتني للاستمرار بالحياة.. "ربما" كنت أقول دائما.. لربما يحدث شيء.. معجزة.. لكن تلك البقايا لم تعد كافية لي.. وأنا الان أتحدث بها.. ببقايا أمل.. ولست متأكدا إن كانت تلك البقايا ستكفيني كي أكمل اسبوعا أو شهر.. لكن لا مشكلة.. ففي حال كنتم تقرأون هذه الكلمات سأكون أنا غير موجودا.. وعليه فيمكنكم أن تفعلوا بي ما تشاؤون ...لن أعلم بذلك على أية حال.. لطالما استغربت من هؤلاء اللذين يريدون أن يذكروا بالخير بعد مماتهم.. لماذا؟.. حتى لو مشت أساطيل من الناس في دفنك فلن تكون موجودا.. ولن تعلم بذلك.. ستكون قد انتهيت.. خلص... بالنسبة لي فلا يهمني إن حاولوا التخلص من جثتي برميها في المرحاض.

كلمة ثانية: أرغب أن أطلب طلبا أو إثنين من الأنسانية.. طلبات لن تتحقق.. والهدف الوحيد من قولها هو تعبير عن الاستغباء الشديد.. استغباء الانسانية.. أريد من الأنسانية أن تتوقف عم تدمير العالم أولا..وأن تتوقف عن التكاثر المجنون ثانيا.. أو تتوقف كليا..

كلمة ثالثة: أرغب ممن مازال حيا أن يعلم أنه ليش مجبرا على تذكري أو احترام ذكراي أو أي شيء من هذا القبيل.

كلمة رابعة: أريد أن تعلموا أنني وفي الأكثر من عشرين سنة التي قضيتها على هذا الكوكب لم أقم بأحترام شخص واحد.. صراحة أنا لا أعلم ما هو الأحترام.. ولا أؤمن بوجوده... ربما لأن أحدا لم يحترمني.. ربما لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

خامسة: أرغب نهاية بالعتبير عن مدى استغرابي من الانسانية.. لا زلت حتى اليوم مذهلا من قدرة الأنسان على تجاهل الحقائق الواضحة.. قدرته على تجاهل كل ما هو أمامه و اختراع أشياء لا يمكن لما يدعى ب"العقل" أن يتقبلها.. ربما هذه مشكلتي.. ربما لم أستطع فعل ذلك.. ربما كل ما قتلني في النهاية هو خيال ضحل.

أخيرة: أريدكم أن تعلموا أن موتي كان شيئا جميلا.. ربما أجمل شيء حدث معي.. أنا الان.. لست نادما على شيء.. لأني أعلم أنني لم أكن لأتمكن من تغيير شيء.. أظنني قضيت في اللحظة التي أدركت فيها تلك الحقيقة.. عشت بما يكفي.. و حان وقت راحتي.. حان الوقت الذي لم أعد مجبرا فيه على تحملكم.. جهلكم وغبائكم.. على كل حال..مشي الحال.

شكرا. ""

نظر إلى الورقة... ثم طواها ووضعها في جيبه برقة.. أطفأ سيجارته و فتح باب الغرفة.. نظر إلى السماء وخرج.. نظر إلى السماء.. وابتسم.

هناك تعليق واحد:

  1. "كلمة رابعة: أريد أن تعلموا أنني وفي الأكثر من عشرين سنة التي قضيتها على هذا الكوكب لم أقم بأحترام شخص واحد.. صراحة أنا لا أعلم ما هو الأحترام.. ولا أؤمن بوجوده... ربما لأن أحدا لم يحترمني.. ربما لأن فاقد الشيء لا يعطيه."

    صعب تعيش بدون ما تحترم حدا و بدون ما حدا يحترمك =\


    "كلمة ثانية: أرغب أن أطلب طلبا أو إثنين من الأنسانية.. طلبات لن تتحقق.. والهدف الوحيد من قولها هو تعبير عن الاستغباء الشديد.. استغباء الانسانية.. أريد من الأنسانية أن تتوقف عم تدمير العالم أولا..وأن تتوقف عن التكاثر المجنون ثانيا.. أو تتوقف كليا.."

    100% معك

    ردحذف