16‏/08‏/2013

شي مشوّه

‏يولد الإنسان طاهراً، إنسانا صافياً، ثم يعلمونه الكلام مثلما تعلموا، والإعتقاد مثلما اعتقدو، فتختبئ الطهارة وتموت شيئاً فشيئاً في الظلام.
لكن يحدث بين الحين والآخر ألا يتعلم ذلك الإنسان بما يكفي ليخيف طهارته إلى كهفها المظلم لتموت، فتعيش تلك الطهارة عمياء وصماء ومشوهة لكنها تعيش، وتصيح من وقت لآخر لتبعث في نفس هؤلاء روح الثورة على أنفسهم.
ويصبح هؤلاء حين ذلك مزيجاً بين تشوهاتهم المكتسبة من الناس وتشوهاتهم الصافية التي قامو بخلقها وجعلوها أحد إنجازاتهم.
عند حدوث ذلك، سيحاول الناس حثّهم على ترك تشوهاتهم الصافيه وإحتوائهم بالتشوهات المكتسبة. فمنهم من ينصاع ومنهم من كانت طهارتهم على قدرٍ من القوة كافٍ لقلب المعادلة وجعلم ينصاعون بالكامل لصفائهم، ليكتشفو بعد حين أن ذك الصفاء مشوّه إلى درجة أنه لم يعد طاهراً على الإطلاق، تماماً كمن انصاع له في النهاية. وعندها يعلم المشوه أن الجميع وخصوصاً منهم من ظن أنه على طريق الصواب ليس سوى مشوّه آخر.
ومن هنا إلى أين؟ فعندما تعلم أن جميع الطرقات متشابهة حد التطابق لن تسافر بأي طريق منها، وكذلك ذك المشوّه الذي لا يرى سوى المشوّهين فهو لا يفعل شيئاً سوى العبوس، ربما كمظهر يتناسب مع تشوهاته الخاصة، وربما كمحاولة خجولة لإظهار عدم موافقته على كل ذك التشوه الذي يراه ولا يراه أحد آخر.
وهنا، وفي خضم كل هذا يسأل ذك العبوس نفسه سؤالاً كانت حياته قد قادت إليه منذ أن وُلد طاهراً قبل عشرات السنين، لو أُعطيت الخيار من جديد، لو عدت إلى تلك اللحظة التي رفضت فيها أن أقبل تشوهات الآخرين وأحتضن تشوهاتي، ماذا كنت سأختار؟
ورغم معرفته يقيناً أن "لو" بعيدة كل البعد عن المنطق و رغم سخريته ال"واعية" من نفسه لمجرد طرحه هكذا فكرة ساذجة فهو يجاوب بلا وعي لألا يترك سؤالاً تسأله عليه نفسه بلا جواب، "كنت أخترت تشوهاتي، كنت اخترت نفسي، كنت اخترت الحقيقة"
يُطرق صديقنا العَبوس هذا بإبتسامة خجولة بعد هذا الجواب، فهو قد أعطى نفسه سبباً ليشعر ببعض الإرتياح، فهو مقتنع الآن أكثر أنه أختار الخيار الصحيح، ليس لأن خياره أجمل بل لأنه الخيار الصحيح، والحقيقة هي كل شيء.