11‏/05‏/2013

شي شخصي


فراغ رقم واحد

كيف أحدد الفراغ؟ أصلا هل يمكن للفراغ أن يُحَدَّد؟ لماذا أفكر بذلك أصلاً؟ هو الفراغ... ليس مهمّا كيف شكله.. لن أستفيد من ذلك بشيء. لكن لماذا فكرت بذلك؟ لأنني أشعر بالفراغ؟
يا لهذا التعبير المراهق... أشعر بالفراغ.. فكأنني في السادسة عشرة من العمر وفي نزاع مع هويّتي.. لكنني أتكلم عن شيءٍ آخر الآن.. فراغ آخر..
الفراغ الذي أشعر به هو ليس فراغاً بل هو أقرب للضياع.. أجل أُدرِك أن هذا تعبيرٌ طفوليٌّ آخر.. لكن ربما هو الأدق في وصف هذا الشعور.
أُدرك هذا الشعور بالمقارنة فقط.. فإنا لا أشعر بالفراغ.. بل لا أشعر بشيء فأدرك أنه الفراغ.. وأقارن نفسي مع الآخرين فأخمّن أنني لا أشعر.
في الحقيقة لا توجد طريقة للجزم بشعوري أو عدمه.. فالموضوع نسبي.. ربما أنا أشعر أكثر من الآخرين وربّما لا أشعر شيئاً من شعورهم... لا سبيل للجزم في ذلك.. إن وسيلتي الوحيدة للمقارنة بين مشاعر الناس هي أفعالهم.. وأوضح ما تدلّني عليه أفعالهم هي رغباتهم.
أما الرغبة فلقد أستوقفتني كثيراً وقضيت أغلب الوقت أبحث عنها في الوجوه والأقوال والحركات.. تلك الرغبات الجامحة التي لم أعتد أن أشعر بمثلها كثيرا في حياتي القصيرة.. الرغبة التي تجعل أحدهم يفعل ما قد يبدو مستحيلا للحصول على أمرٍ ما.. أأحسد هذا الإنسان ذو الرغبة الجامحة؟ هل هو أكثر إتقاداً بالشعور منّي؟ هل هذا يجعله أكثر سعادة أم أكثر شقاءً؟ وهل يمكنني ربط هذا الفراغ بالرغبة أو إنعدامها؟ لا إدري تماماً ما جواب هذه الأسئلة.


سيجارة رقم تنين

أسير إلى موقف الباص وأقف فيه منتظرا بجانب الميكرو الذي سأستقله حالما أمتلأ بالركاب الذاهبين إلى البلدة البائسة حيث أعمل.. أبلع ريقي وأنا أتنحنح وأنظر إلى ركّاب الباص  الآخرين.. معظمهم طالبات مدرسة في زيهم المدرسي الرمادي والزهري المقيت.. أسأل السائق الواقف بجانبي: "كم راكب لسا بدك؟" فيجيبني "أربعة"
-إذا دفعنا أربعين كل واحد بيمشي الحال؟
-لا ما بترضى هاي البنت اللي قاعدة ورا
أنظر إلى تلك الفتاة بحركة لا إرادية... هي إحدى طالبات المدرسة تجلس وحيدة في المقعد الإخير.. نظرت إلي حين نظرت بشراسة وكأنها تقول "لا لن أدفع العشر ليرات زيادة فلا تسأل"
بلعت ريقي مجدداً
أثناء ذلك كان سائق الباص أشعل سيجارة حمرا.. شممت الرائحة قبل إن أرى السيجارة.. ثم تذكرت.. علبة السجائر في جيبة حقيبتي.. تقبع هناك منذ أسبوعين.. ما الذي يمنعني من انتشال سيجارة وتدخينها مع السائق الآن؟ لا شيء.. أنا أرغب بذلك.. ولست حقّاً مهتما بإطالة عمري.. إذا لماذا أقف في مكاني في خمول؟ هل يعقل أنني لم أعد قادراً على تحقيق رغبتي بشيء حتى عند إدراكها؟ أهي لا مبالاة؟ لا بل أعتقد أنها تخطّت ذلك..
لا بدَّ لي من إستعادة مبالاتي.. أُخرج سيجارة وأُشعلها.. لا أشعر بشيء.. أنظر إلى السيجارة.. ألا يفترض بإدماني على النيكوتين وحده أن يجعلني أستمتع بسيجارتي الأولى منذ أسبوعين؟ أسحب أكثر لعلي أشعر بشيء.. لا شيء.. أكمل السيجارة على مضض.. يأتي ثلاث ركّاب.. أرمي السيجارة بإنزعاج.
-خلص أطلاع معلم أنا بدفع أجرة راكبين مشّينا بقا
-اطلاع عمّي اتفضّل


نتيجة رقم تلاتة

عندما يفقد الإنسان كل ما يملكه يصبح حرّاً.. يمكنه فعل أي شيء.. طبعا هذه النظرية لا تفترض أن الإنسان قادر أن يفعل شيئاً بلا أن يملك شيئاً.. لكنها تفترض بدل ذلك أن الحرية هي حريّة الفرد من أي ارتباط بمادّيات أو ضروريات أو عواطف حتّى.. ربما هي مجرّد نظرية.. فكما هي معظم النظريات التي أقتنع بها فدائماً ما أعود وأفترض أنها قد تكون خاطئة.. والسبب في ذلك هو أنني مؤمن بنظرية تفترض أن الأيمان بأي نظرية هو أمر حادثيّ.. وأن المطلق غير موجود.. وعليه فجميع النظريّات قد تكون خاطئة.. بما فيها النظرية التي تفترض أن جميع النظريات خاطئة.. أي أنه من الممكن أن نفترض وجود نظريّة صحيحة دائماً.. بحسب النظرية نفسها التي تفترض أن جميع النظريات خاطئة.. ويمكن طبعا إنكار صحّتها.
ربّما الحريّة هي حريّة الإستماع إلى لحنك المفضّل بالوقت الذي تريده.
ربّما الحريّة هي حريّة الإرادة.
ماذا أريد؟ لماذا لا أرغب بشيء بما يكفي لأحاول الحصول عليه؟ ما هو ذك المرض الخبيث الذي يسكنني؟
ما الذي يفترض أن أرغب به أصلاً؟ السعادة؟ أهي السعادة التي نبحث عنها دوماً؟ لأننا إن كنّا نبحث عنها فنحن إما فاشلون في البحث أو أنها "مقطوعة من السوق" كما هو ال"ميم".


نتيجة ٢

إذا كنت قد وصلت عزيزي القارئ إلى هذه السطور من هذه الخاطرة.. فأنا أجد نفسي مضطرّاً أن أطلب منك الإستماع إلى نتيجتي حول كل ما سبق:
ببساطة، لا يجب إعطاء أي شيء قيمة.
أجل هذه هي النتيجة.. وكما فعلنا منذ قليل فيمكن لنا من خلال هذه النتيجة إستخلاص نتيجة أُخرى تقتضي أن لا يجب إعطاء النتيجة السابقة أي أهميّة.. ويمكن إعطاء أي شيء أهميّة شديدة بناءً على ذلك.. بما فيه وخصوصاً النتيجة السابقة.. ذلك مع ضرورة الاخذ بعين الإعتبار أن هذه النظرية.. قد تكون خاطئة.. كما أستنتجنا سابقاً.. ويمكن أن تكون صحيحة.

أو ربّما أنا على خطأ.